الإنفاق على الزوجة والأولاد في السنة النبوية واجب شرعي
محمود سعيد برغش
الأسرة في الإسلام هي المحور الأساسي لبناء المجتمع، وقد أولى الدين الإسلامي عناية خاصة بتنظيم علاقاتها وأدوار أفرادها، بما يكفل استقرارها واستمرارها. ومن أهم هذه الواجبات، الإنفاق على الزوجة والأولاد، وهو حق شرعي ومسؤولية يُحاسب عليها الرجل، وقد وردت العديد من الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد هذا الواجب
أدلة وجوب الإنفاق من القرآن الكريم
1. قوله تعالى عن مسؤولية الرجل:
> “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”
(النساء: 34)
تشير الآية إلى أن القوامة التي أعطيت للرجل مبنية على النفقة التي يوفرها لأسرته، مما يدل على أنها واجب لا تهاون فيه.
2. قوله تعالى عن الإنفاق على الأهل:
> “لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ”
(الطلاق: 7)
توضح الآية أن النفقة يجب أن تكون بحسب استطاعة الرجل، دون إسراف أو تقصير.
3. قوله تعالى عن حق الوالدين والذرية في المال:
> “وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا”
(الإسراء: 26)
يشير النص إلى أن من حقوق ذوي القربى، ومنهم الزوجة والأولاد، الإنفاق عليهم بما يُصلح شأنهم ويُعينهم على الحياة الكريمة.
أدلة وجوب الإنفاق من السنة النبوية
1. حديث المسؤولية العائلية:
قال رسول الله ﷺ:
> “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته،… والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته”
(رواه البخاري ومسلم)
يبين الحديث أن الإنفاق على الأسرة مسؤولية الرجل باعتباره راعيًا لأسرته.
2. حديث فضل النفقة على الأهل:
قال النبي ﷺ:
> “أفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على أهله”
(رواه مسلم)
يشير الحديث إلى أن الإنفاق على الأهل لا يُعد مجرد واجب، بل هو أفضل أنواع الصدقات والقربات إلى الله.
3. حديث النفقة التي تُثاب عليها:
قال رسول الله ﷺ:
> “إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك”
(رواه البخاري ومسلم)
يُظهر الحديث أن حتى أبسط صور الإنفاق، مثل تقديم الطعام للزوجة، تُعدّ عملاً صالحًا يُثاب عليه.
—
ضوابط الإنفاق في الإسلام
1. الاعتدال:
قال تعالى:
> “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا” (الفرقان: 67).
الإسلام يدعو إلى الوسطية في الإنفاق، بعيدًا عن البخل أو الإسراف.
2. توفير الاحتياجات الضرورية:
يشمل ذلك المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم، بما يتناسب مع دخل الزوج وظروفه.
3. العدل بين الأولاد:
قال النبي ﷺ:
> “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”
(رواه البخاري ومسلم).
حث الإسلام على تحقيق العدل بين الأولاد في الإنفاق، حتى لا تنشأ الكراهية أو التفرقة بينهم.
—
آثار الإنفاق على الأسرة والمجتمع
1. استقرار الأسرة:
الالتزام بالإنفاق يُشعر الأسرة بالأمان المادي والمعنوي، مما يُعزز استقرارها.
2. تنمية الحب والرحمة:
الإنفاق من الرجل على أسرته يُظهر حبه وحرصه على رعايتهم، مما يزيد من روابط المحبة بين أفراد الأسرة.
3. تقوية المجتمع:
أسرة مستقرة تُسهم في تنشئة أفراد صالحين يشاركون بفعالية في بناء المجتمع وتطويره.
—
الخاتمة
الإنفاق على الزوجة والأولاد واجب شرعي حثت عليه الشريعة الإسلامية ونبهت إلى فضله في القرآن الكريم والسنة النبوية. هو ليس مجرد التزام مادي، بل عبادة تُثاب عليها، وسلوك يُقوّي أواصر المحبة داخل الأسرة ويُسهم في بناء مجتمع متماسك وقوي. لذلك، يجب على كل رجل أن يؤدي هذا الواجب بوعي ومسؤولية، مقتديًا بسنة النبي ﷺ.
الصورة المرفقة: تعكس أجواء الأسرة المسلمة الدافئة ودور الإنفاق في تحقيق السعادة والاستقرار.